رغم وجود خلاف علني بين بريطانيا وإسرائيل بشأن مبيعات الأسلحة، التي تستخدم في استمرار العدوان على قطاع غزة والتصعيد العسكري ضد لبنان، لكنهما تصران على أنهما لا تزالان تعملان على التوصل إلى اتفاق تجاري.
وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر انخرط مع نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حرب كلامية رفيعة المستوى في الأيام الأخيرة، بسبب قرار بريطانيا حظر مجموعة من صادرات الأسلحة إلى إسرائيل لأسباب إنسانية.
وهذا الأسبوع، اتهم نتنياهو بريطانيا بتشجيع أعداء تل أبيب، من خلال فرض قيود على مجموعة كبيرة من صادرات الأسلحة البريطانية إلى بلاده، بينما دعا ستارمر في خطابه أمام الأمم المتحدة، أمس الخميس -في خضم المخاوف من غزو بري إسرائيلي للبنان- إسرائيل وحزب الله إلى “التراجع عن حافة الهاوية”.
مع هذا، لا توجد أي مؤشرات على تجميد الاتفاق التجاري بين البلدين، بل -في الواقع- إسرائيل تريد من بريطانيا أن تذهب إلى أبعد من ذلك، كما يشير تقرير للنسخة الأوروبية من صحيفة “بوليتيكو”.
مفاوضات جارية
بدأت مفاوضات التجارة الحرة بين المملكة المتحدة وإسرائيل في يوليو 2022، واستمرت المحادثات طوال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ إذ انعقدت الجولة الخامسة في إبريل الماضي.
وفي يوليو، أكدت حكومة حزب العمال البريطانية الجديدة خططها لاستئناف المحادثات.
ونقلت “بوليتيكو” عن متحدث باسم الحكومة البريطانية، أن قرار بلاده تعليق بعض أنظمة تصدير الأسلحة “منفصلٌ عن التزامنا بتحقيق مفاوضاتنا التجارية مع إسرائيل”.
وأضاف المتحدث البريطاني، في بيان، أن “المملكة المتحدة تواصل النظر إلى إسرائيل باعتبارها حليفًا مهمًا، كما أن الرابطة بين بريطانيا وإسرائيل تظل ذات أهمية حيوية”.
كما أشار إلى أن “تعزيز النمو والوظائف يشكل جوهر مهمتنا، ولهذا السبب فإننا نعتمد على 6.1 مليار جنيه إسترليني من التجارة، و38 ألف وظيفة بريطانية توفرها بالفعل العلاقات بين المملكة المتحدة وإسرائيل”.
وتلفت الصحيفة إلى أنه “يبدو الشعور متبادلاً في الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من الخلاف العلني بشأن الحرب على غزة”.
وقال ماتان سافران، الملحق التجاري في السفارة الإسرائيلية، في بيان: “ترى إسرائيل أهمية كبيرة في استمرار العمل كالمعتاد.. ليس فقط لأنه أمر حيوي ولأنه نهج تقدمي، ولكن أيضًا لأنه إشارة إلى قدرتنا على الصمود وتصميمنا”.
وأكد “سافران” أنّ “هذا ينطبق على السياسة الخارجية الإسرائيلية مع العالم بشكل عام، وخاصة مع شريك استراتيجي مثل المملكة المتحدة”.
كما كررت السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة، تسيبي حوتوفلي، كلمات سافران، إذ وصفت المملكة المتحدة وإسرائيل بأنهما “حليفان قويان” في حفل استقبال لجمعية أصدقاء إسرائيل في حزب العمال بمؤتمر حزب العمال، في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وأضافت في حفل الاستقبال الذي حضره وزراء الحكومة وأعضاء البرلمان من حزب العمال: “إسرائيل لديها الكثير لتقدمه لبريطانيا، وبريطانيا لديها الكثير لتقدمه لإسرائيل، في مجالات الأمن والاستخبارات والتجارة، ونحن على استعداد للمضي قدمًا مع الحكومة الجديدة لتعزيز هذه العلاقات القوية”.
غطاء للعدوان
بعد وقت قصير من الانتخابات التي أُجريت في يوليو الماضي، أعلنت الحكومة البريطانية نيتها استئناف المفاوضات مع إسرائيل، وتعهد وزير التجارة الجديد جوناثان رينولدز، بـ”بدء المحادثات في أقرب وقت ممكن”.
ثم في بداية هذا الشهر، منعت بريطانيا بيع مجموعة من مكونات الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في غزة، بعد أن خلصت إلى وجود خطر حقيقي من إمكانية استخدام الأسلحة في انتهاك للقانون الإنساني الدولي، وسيتم تعليق 30 ترخيصًا، بما في ذلك أجزاء للطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات بدون طيار.
ولكن، لا يبدو أن هذا قد نجح في إنجاح محادثات التجارة، إذ يتطلع الجانبان إلى تجاوز اتفاقية تمديد ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ولم يتم تحديد موعد للجولة المقبلة من المفاوضات حتى الآن، لكنّ “سافران” قال إن الحكومة الإسرائيلية “على اتصال مستمر مع المملكة المتحدة، وتنتظر استكمال الإجراءات الداخلية المتعلقة باستئناف المفاوضات”.
ومن شأن الاتفاق الجديد أن يحل محل اتفاقية التجارة الحرة القائمة بين المملكة المتحدة وإسرائيل، وهو عبارة عن تمديد لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لعام 1995، والتي تركز في المقام الأول على تجارة السلع.
لكن في الواقع، ليس هناك ترحيب لهذه الدرجة لخطط مواصلة المحادثات، إذ اتهم تيم بيرلي، أحد الناشطين في منظمة العدالة العالمية، الحكومة البريطانية بـ”استرضاء حملة العنف المسعورة التي تشنها إسرائيل على غزة”.
ونقلت عنه “بوليتيكو” أن “هذه الخطوة لتعميق التعاون التجاري لا تمنح إسرائيل غطاءً دبلوماسيًا لارتكاب الفظائع المتزايدة فحسب، بل من المرجح أن تعمل الصفقة نفسها على تعزيز قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي المتواطئة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتي تستخدم بالفعل لترسيخ احتلال إسرائيل غير القانوني للأراضي الفلسطينية”.
وأضاف: “لقد استجابت إسرائيل باستمرار لدعوات وقف إطلاق النار بتصعيد العنف، ومن الواضح الآن أن المملكة المتحدة بحاجة إلى استخدام نفوذ أكثر فعالية للضغط على إسرائيل لتغيير مسارها”.
وأكد: “لتحويل أقوالها إلى أفعال يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي، يجب على المملكة المتحدة تعليق المحادثات حول تعميق العلاقات التجارية مع إسرائيل وفرض حظر كامل على الأسلحة الآن”.